معهد الخوئي | Al-Khoei Institute

معهد الخوئي | Al-Khoei Institute
  • الإمام الخوئي
  • المكتبة المرئية
  • المكتبة الصوتية
  • المكتبة
  • الاستفتاءات

14- المتعة

  • ١٧٦٤١

13 ـ {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} (2: 24).
فقد اشتهر بين علماء أهل السنة أن حلية المتعة قد نسخت، وثبت تحريمها إلى يوم القيامة، وقد أجمعت الشيعة الإمامية على بقاء حلية المتعة وأن الآية المباركة لم تنسخ، ووافقهم على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين.
قال ابن حزم: "ثبت على إباحتها (المتعة) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابن مسعود، ومعاوية، وأبو سعيد، وابن عباس، وسلمة ومعبد ابنا أمية بن خلف، وجابر، وعمرو بن حريث، ورواه جابر عن جميع الصحابة ـ مدة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر (ثم قال) ومن التابعين طاووس، وسعيد بن جبير، وعطاء وسائر فقهاء مكة"(1).
ونسب شيخ الإسلام المرغيناني القول بجواز المتعة إلى مالك، مستدلا عليه بقوله: "لأنه ـ نكاح المتعة ـ كان مباحا فيبقى إلى أن يظهر ناسخه"(2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هامش المنتقى للفقي: 2 / 520.
(2) الهداية في شرح البداية: ص 385 طبعة بولاق مع فتح القدير، وهذه النسبة قد أقرها الشيخ محمد البابرتي في شرحه على الهداية، نعم ان ابن الهمام الحنفي أنكر ذلك في فتح القدير والله العالم. وقال عبدالباقي المالكي الزرقاني في شرحه على مختصر أبي الضياء: 3 / 190: " حقيقة نكاح المتعة الذي يفسخ مطلقا أن يقع العقد مع ذكر الأجل من الرجل أو المرأة أو وليها بأن يعلمها بما قصده، واما إذا لم يقع ذلك في العقد، ولكنه قصده الرجل، وفهمت المرأة ذلك منه فإنه يجوز، قاله مالك، وهي فائدة حسنة تنفع المتغرب". (المؤلف).


ــ[313]ــ


ونسب ابن كثير جوازها إلى أحمد بن حنبل عند الضرورة في رواية(1) وقد تزوج ابن جريح أحد الأعلام وفقيه مكة في زمنه سبعين امرأة بنكاح المتعة (2) وسنتعرض إن شاء الله تعالى للبحث في هذا الموضوع عند تفسيرنا الآية الكريمة، ولكنا نتعرض هنا تعرضا إجماليا لإثبات أن مدلول الآية المباركة لم يرد عليه ناسخ. وبيان ذلك: أن نسخ الحكم المذكور فيها يتوقف:
أولا: على أن المراد من الاستمتاع في الآية هو التمتع بالنساء بنكاح المتعة.
ثانيا: على ثبوت تحريم نكاح المتعة بعد ذلك.
أما الأمر الأول: "إرادة التمتع بالنساء من الاستمتاع" فلا ريب في ثبوته وقد تظافرت في ذلك الروايات عن الطريقين، قال القرطبي: قال الجمهور المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام، وقرأ ابن عباس، وأبي، وابن جبير: "فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن" (3)، ومع ذلك فلا يلتفت إلى قول الحسن بأن المراد منها النكاح الدائم، وأن الله لم يحل المتعة في كتابه، ونسب هذا القول إلى مجاهد، وابن عباس أيضا، والروايات المروية عنهما أن الآية نزلت في المتعة تكذب هذه النسبة.
وعلى كل حال فإن استفاضة الروايات في ثبوت هذا النكاح وتشريعه تغنينا عن تكلف إثباته، وعن إطالة الكلام فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير ابن كثير عند تفسير الآية المباركة: 1 / 474.
(2) راجع شرح الزرقاني على مختصر أبي الضياء: 8 / 76.
(3) تفسير القرطبي: 5 / 130، وقال ابن كثير في تفسيره: وكان ابن عباس وأبي بن كعب، وسعيد بن جبير، والسدي يقرؤون: "فما استمتعتم به
منهن إلى اجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة".


ــ[314]ــ


وأما الأمر الثاني: "تحريم نكاح المتعة بعد جوازه" فهو ممنوع، فإن ما يحتمل أن يعتمد عليه القائل بالنسخ هو أحد امور، وجميعها لا يصلح لأن يكون ناسخا، وهي:
1 ـ إن ناسخها هو قوله تعالى:
{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن}(65 :1).
ونسب ذلك إلى ابن عباس (1).
ولكن النسبة غير صحيحة، فإنك ستعرف أن ابن عباس بقي مصرا على إباحة المتعة طيلة حياته.
والجواب عن ذلك ظاهر، لأن الالتزام بالنسخ إن كان لأجل أن عدد عدة المتمتع بها أقل من عدة المطلقة فلا دلالة في الآية، ولا في غيرها. على أن عدة النساء لا بد وأن تكون على نحو واحد، وإن كان لأجل أنه لا طلاق في نكاح المتعة، فليس للآية تعرض لبيان موارد الطلاق، وأنه في أي مورد يكون وفي أي مورد لا يكون. وقد نقل في تفسير المنار عن بعض المفسرين أن الشيعة يقولون بعدم العدة في نكاح المتعة(2).
سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم. وهذه كتب فقهاء الشيعة من قدمائهم ومتأخريهم، ليس فيها من نسب إليه هذا القول، وإن كان على سبيل الشذوذ، فضلا عن كونه مجمعا عليه بينهم، وللشيعة مع هؤلاء الذين يفترون عليهم الأقاويل، وينسبون إليهم الأباطيل يوم تجتمع فيه الخصوم، وهنالك يخسر المبطلون (3).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع الناسخ والمنسوخ للنحاس: ص 105.
(2) المنار: 5/ 13 و14.
(3) سنتعرض لبعض هذه الافتراءات عند تفسيرنا قوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} من هذا المجلد.(المؤلف).


ــ[315]ــ


2 ـ إن ناسخها قوله تعالى:
{ولكم نصف ما ترك أزواجكم} ( 4: 12).
من حيث أن المتمتع بها لا ترث ولا تورث فلا تكون زوجة. ونسب ذلك إلى سعيد بن المسيب، وسالم بن عبدالله، والقاسم بن أبي بكر(1).
الجواب:
إن ما دل على نفي التوارث في نكاح المتعة يكون مخصصا لآية الإرث ولا دليل على أن الزوجية بمطلقها تستلزم التوارث. وقد ثبت أن الكافر لا يرث المسلم، وأن القاتل لا يرث المقتول، وغاية ما ينتجه ذلك أن التوارث مختص بالنكاح الدائم، وأين هذا من النسخ؟!!
3 ـ إن ناسخها هو السنة، فقد رووا عن علي (عليه السلام) أنه قال لابن عباس:
"إنك رجل تائه. إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر"(2).
وروى الربيع بن سبرة، عن أبيه قال:
"رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائما بين الركن والباب وهو يقول: ياأيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما اتيتموهن شيئا"(3).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الناسخ والمنسوخ للنحاس: ص 105 ـ 106.
(2) صحيح مسلم: كتاب النكاح، رقم الحديث: 2510. وسنن النسائي: كتاب النكاح، رقم الحديث: 3312.
(3) صحيح مسلم: كتاب النكاح، رقم الحديث: 2502.


ــ[316]ــ


وروى سلمة، عن أبيه قال:
"رخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها" (1).
والجواب:
أولا: إن النسخ لا يثبت بخبر الواحد، وقد تقدم مرارا.
ثانيا: إن هذه الروايات معارضة بروايات أهل البيت (عليهم السلام) المتواترة التي دلت على إباحة المتعة، وأن النبي لم ينه عنها أبدا.
ثالثا: إن ثبوت الحرمة في زمان ما على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يكفي في الحكم بنسخ الآية، لجواز أن يكون هذا الزمان قبل نزول الإباحة، وقد استفاضت الروايات من طرق أهل السنة على حلية المتعة في الأزمنة الأخيرة من حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى زمان من خلافة عمر، فإن كان هناك ما يخالفها فهو مكذوب ولا بد من طرحه.
ولأجل التبصرة نذكر فيما يلي جملة من هذه الروايات:
1 ـ روى أبو الزبير قال:
"سمعت جابر بن عبدالله يقول كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر حتى نهى عنه - نكاح المتعة - عمر في شأن عمرو بن حريث"(2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح مسلم: كتاب النكاح، رقم الحديث 2499.
(2) نفس المصدر: رقم الحديث: 2497.


ــ[317]ــ


2 ـ و روى أبو نضرة قال:
"كنت عند جابر بن عبدالله فأتاه آت، فقال: [ان] ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين - متعة الحج ومتعة النساء -فقال جابر: فعلناهما مع رسول (صلى الله عليه وآله) ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما"(1).
3 ـ و روى أبو نضرة عنه أيضا قال:
"متعتان كانتا على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) فنهانا عنهما عمر فانتهينا"(2).
4 ـ وروى أبونضرة عنه أيضا: "تمتعنا متعتين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحج والنساء فنهانا عنهما عمر فانتهينا"(3).
5 ـ و روى أبونضرة عنه أيضا قال:
"قلت إن ابن الزبير ينهى عن المتعة، وإن ابن عباس يأمر بها، قال: ـ جابرـ على يدي جرى الحديث، تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومع أبي بكر، فلما ولي عمر خطب الناس، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا الرسول، وإن القرآن هذا القرآن، وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح مسلم: كتاب الحج، رقم الحديث: 2192. وكتاب النكاح، رقم الحديث: 2498.
(2) مسند احمد: 3 / 325، كتاب باقي مسند المكثرين، رقم الحديث: 13955.
(3) مسند احمد: 3 / 356، باقي مسند المكثرين، رقم الحديث: 14305، و14387.


ــ[318]ــ


إحداهما متعة النساء، ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلا غيبته بالحجارة.."(1).
6 ـ وروى عطاء قال:
"قدم جابر بن عبدالله معتمرا، فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر"(2). وأخرج ذلك أحمد في مسنده، وزاد فيه: "حتى إذا كان في آخر خلافة عمر"(3).
7 ـ وروى عمران بن حصين قال:
"نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى، وعملنا بها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم تنزل آية تنسخها، ولم ينهى عنها النبي (صلى الله عليه وآله) حتى مات"(4). وذكرها الرازي عند لمسيره الآية المباركة بزيادة:
"ثم قال رجل برأيه ما شاء"(5).
8 ـ و روى عبدالله بن مسعود قال:
"كنا نغزو مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس معنا نساء، قلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبدالله:
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سنن البيهقي: 7/ 206، باب نكاح المتعة، وقال: أخرجه مسلم من وجه آخر عن همام.
(2) صحيح مسلم: 4 / 131، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة.
(3) مسند احمد: 3 / 380.
(4) نفس المصدر: كتاب الحج، رقم الحديث: 2158.
(5) راجع صحيح مسلم: 4 / 48، كتاب الحج باب جواز التمتع، رقم الحديث: 2158. تجد هذه الزيادة فيه.


ــ[319]ــ


{يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا ما أحل لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتد ين} (5 : 87) (1).
أقول: إن قراءة عبدالله الآية صريحة في أن تحريم المتعة لم يكن من الله ولا من رسوله، وإنما هو أمر حدث بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)0
9 ـ وروى شعبة، عن الحكم بن عيينة قال:
"سألته عن هذه الآية ـ آية المتعة ـ أمنسوخة هي؟ قال لا. قال الحكم: قال علي لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي "(2).
وروى القرطبي ذلك عن عطاء، عن ابن عباس (3).
أقول: لعل المراد بالشقي ـ في هذه الرواية ـ هو ما فسر به هذا اللفظ في رواية أبي هريرة، قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يدخل النار إلا شقي، قيل: ومن الشقي؟ قال: الذي لا يعمل بطاعة، ولا يترك لله معصية"(4).
10 ـ وروى عطاء قال:
"سمعت ابن عباس يقول: رحم الله عمر، ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم الله بها أمة محمد (صلى الله عليه وآله) ولولا نهيه لما احتاج إلى الزنا إلا شفا"(5).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح البخاري: كتاب النكاح، رقم الحديث: 4686. وصحيح مسلم: كتاب النكاح، رقم الحديث: ص 249.
(2) تفسير الطبري عند تفسير الآية المباركة: 5 / 9.
(3) تفسير القرطبي: 5 / 130.
(4) مسند احمد: .2/ 349، باقي مسند المكثرين، رقم الحديث: 8239.
(5) أحكام القرآن للجصاص: 2/ 147. الشفا: القليل.


ــ[320]ــ


ثم إن الروايات التي استند إليها القائل بالفسخ على طوائف.
منها: ما ينتهي سنده إلى الربيع بن سبرة، عن أبيه، وهي كثيرة، وقد صرح في بعضها بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام بين الركن والمقام، أو بين الباب والمقام، وأعلن تحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة(1).
ومنها: ما روي عن علي (عليه السلام) أنه روى تحريمها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ومنها: ما روي عن سلمة بن الأكوع.
أما ما ينتهي سنده إلى سبرة، فهو وإن كثرت طرقه إلا أنه خبر رجل واحد "سبرة" وخبر الواحد لا يثبت به النسخ. على أن مضمون بعض هذه الروايات يشهد بكذبها، إذ كيف يعقل أن يقوم النبي (صلى الله عليه وآله) خطيبا بين الركن والمقام، أو بين الباب والمقام، ويعلن تحريم شيء إلى يوم القيامة بجمع حاشد من المسلمين، ثم لا يسمعه غير سبرة، أو أنه لا ينقله أحد من ألوف المسلمين سواه، فأين كان المهاجرون والأنصار الذين كانوا يلتقطون كل شاردة وواردة من أقوال النبي (صلى الله عليه وآله) وأفعاله؟ وأين كانت الرواة الذين كانوا يهتمون بحفظ إشارات يد النبي (صلى الله عليه وآله) ولحظات عينيه، ليشاركوا سبرة في رواية تحريم المتعة إلى يوم القيامة؟ ثم أين كان عمر نفسه عن هذا الحديث ليستغني به عن إسناد التحريم إلى نفسه؟! أضف إلى ذلك أن روايات سبرة متعارضة، يكذب بعضها بعضا، ففي بعضها أن التحريم كان في عام الفتح (2) وفي بعضها أنه كان في حجة الوداع (3) وعلى الجملة إن رواية سبرة هذه في تحريم المتعة لا يمكن الأخذ بها من جهات شتى.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح مسلم: 4 / 133، كتاب النكاح، رقم الحديث: 2502، 2503، و2509.
(2) صحيح مسلم: 4 / 133، كتاب النكاح، رقم الحديث: 2502، 2503، و2509.
(3) سنن ابن ماجة كتاب النكاح، رقم الحديث: 1952.


ــ[321]ــ


وأما ما روي عن علي (عليه السلام) في تحريم المتعة فهو موضوع قطعا، وذلك لاتقاق المسلمين على حليتها عام الفتح، فكيف يمكن أن يستدل علي (عليه السلام) على ابن عباس بتحريمها في خيبر، ولأجل ذلك احتمل بعضهم أن تكون جملة (زمن خيبر) في الرواية المتقدمة راجعة إلى تحريم لحوم الحمر الأهلية، لا إلى تحريم المتعة، ونقل هذا الاحتمال عن ابن عيينة كما في المنتقى، وسنن البيهقي في باب المتعة (1).
وهذا الاحتمال باطل من وجهين:
1 ـ مخالفته للقواعد العربية: لأن لفظ النهي في الرواية لم يذكر إلا مرة واحدة في صدر الكلام، فلا بد وأن يتعلق الظرف به، فالذي يقول: أكرمت زيدا وعمروا يوم الجمعة، لا بد وأن يكون مراده أنه أكرمهما يوم الجمعة، أما إذا كان المراد أن إكرامه لعمرو بخصوصه كان يوم الجمعة فلا بد له من أن يقول: أكرمت زيدا، وأكرمت عمروا يوم الجمعة.
2 ـ إن هذا الاحتمال مخالف لصريح رواية البخاري، ومسلم، وأحمد عن علي (عليه السلام) أنه قال: "نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن متعة النساء يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الانسية"(2) وروى البيهقي ـ في باب المتعة ـ عن عبدالله بن عمر أيضا رواية تحريم المتعة يوم خيبر(3).
وأما ما روي عن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال:
"رخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها".
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سنن البيهقي: 7 / 220.
(2) المنتقى: 2 / 519. راجع صحيح البخاري: كتاب المخازي رقم الحديث: 3894 ، كتاب النكاح، رقم الحديث: 4723. وصحيح مسلم: كتاب النكاح، رقم الحديث: 2510. ومسند احمد: مسند العشرة المبشرين بالجنة، رقم الحديث: 558. وسنن ابن ماجة: كتاب النكاح، رقم الحديث: 1951.
(3) سنن البيهقي: 7 / 202.


ــ[322]ــ


فهو خبر واحد، لا يثبت به النسخ، على أن ذلك لو كان صحيحا لم يكن خفيا عن ابن عباس، وابن مسعود، وجابر، وعمرو بن حريث، ولا عن غيرهم من الصحابة والتابعين وكيف يصح ذلك ولم يحرم أبوبكر المتعة أيام خلافته، ولم يحرمها عمر في شطر كبير من أيامه، وإنما حرمها في أواخر أمره.
وقد مر عليك كلام ابن حزم في ثبوت جماعة من الصحابة والتابعين على إباحة المتعة، ومما يدل على ما ذكره ابن حزم من فتوى جماعة من الصحابة بإباحة المتعة: ما رواه ابن جرير في تهذيب الآثار، عن سليمان بن يسار، عن أم عبدالله ابنة أبي خيثمة: "إن رجلا قدم من الشام فنزل عليها، فقال: إن العزبة قد اشتدت علي فابغيني امرأة أتمتع معها، قالت: فدللته على امرأة فشارطها وأشهدوا على ذلك عدولا، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث، ثم إنه خرج فأخبر عن ذلك عمر بن الخطاب، فأرسل إلي فسألني أحق ما حدثت؟ قلت: نعم. قال: فإذا قدم فآذنيني به، فلما قدم أخبرته فأرسل إليه، فقال: ما حملك على الذي فعلته؟ قال: فعلته مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم لم ينهنا عنه حتى قبضه الله ثم مع أبي بكر فلم ينهنا عنه حتى قبضه الله، ثم معك فلم تحدث لنا فيه نهيا، فقال عمر: أما والذي نفسي بيده لو كنت تقدمت في نهي لرجمتك، بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح".
وما رواه ابن جرير أيضا، وأبو يعلى في مسنده، وأبو داود في ناسخه عن علي (عليه السلام) قال:


ــ[323]ــ


"لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب لأمرت بالمتعة، ثم ما زنى إلا شقي" (1).
وفي هاتين الروايتين وجوه من الدلالة على أن التحريم إنما كان من عمر:
الأول: شهادة الصحابي، وشهادة علي (عليه السلام) على أن تحريم المتعة لم يكن في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) ولا بعده إلى أن حرمها عمر برأيه.
الثاني: شهادة العدول عن المتعة في الرواية الأولى، مع عدم نهيهم عنها تدل على أنهم كانوا يجوزونها.
الثالث: تقرير عمر دعوى الشامي أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم ينه عنها.
الرابع: قول عمر للشامي: "لو كنت تقدمت في نهي لرجمتك" فانه صريح في أن عمر لم يتقدم بالنهي قبل هذه القصة، ومعنى ذلك: أن عمر قد اعترف بأن المتعة لم ينه عنها قبل ذلك.
الخامس: قول عمر: "بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح" فانه يدل على أن المتعة كانت شائعة بين المسلمين، فأراد أن يبلغ نهيه عن المتعة إليهم لينتهوا عنها بعد ذلك، ولعل لهذه القصة دخلا مباشرا أو غير مباشر في تحريم عمر للمتعة، فإن إنكاره على الشامي عمله هذا مع شهادة الحديث بأن التمتع كان أمرا شايعا بين المسلمين ووصول الخبر إليه، مع أن هذه الأشياء لا يصل خبرها إلى السلطان عادة، كل هذا يدلنا على أن في الأمر سرا جهلته الرواة، أو أنهم أغفلوه فلم يصل إلينا خبره. ويضاف إلى ذلك أن رواية سلمة بن الأكوع ليس فيها ظهور في أن النهي كان من النبي (صلى الله عليه وآله) فمن المحتمل ان لفظ "نهى" في الرواية بصيغة المبني للمفعول
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كنز العمال: 8 / 294.


ــ[324]ــ


وأريد منه نهي عمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وعلى الجملة: انه لم يثبت بدليل مقبول نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المتعة ومما يدل على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم ينه عن المتعة: أن عمر نسب التحريم إلى نفسه حيث قال: "متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما"(1). ولو كان التحريم من النبي (صلى الله عليه وآله) لكان عليه أن يقول: نهى النبي عنهما.
4 ـ ان ناسخ جواز المتعة الثابت بالكتاب والسنة هو الإجماع على تحريمها. والجواب عن ذلك:
إن الإجماع لا حجية له إذا لم يكن كاشفا عن قول المعصوم وقد عرفت أن تحريم المتعة لم يكن في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ولا بعده إلى مضي مدة من خلافة عمر، أفهل يجوز في حكم العقل أن يرفض كتاب الله وسنة نبيه بفتوى جماعة لم يعصموا من الخطأ؟ ولو صح ذلك لأمكن نسخ جميع الأحكام التي نطق بها الكتاب، أو أثبتتها السنة القطعية، ومعنى ذلك أن يلتزم بجواز نسخ وجوب الصلاة، أو الصيام، أو الحج بآراء المجتهدين، وهذا مما لا يرضى به مسلم.
أضف إلى ذلك: أن الإجماع لم يتم في مسألة تحريم المتعة، وكيف يدعى الإجماع على ذلك، مع مخالفة جمع من المسلمين من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) ومن بعده ولاسيما أن قول هؤلاء بجواز المتعة موافق لقول أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وإذن فلم يبق إلا تحريم عمر.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدم ذلك في الرواية الخامسة من روايات جابر، ورواه ابوصالح كاتب الليث في نسخته والطحاوي، ورواه ابن جرير في تهذ يب الآثار، وابن  عساكر إلا ان عمر قال في ما روياه "واضرب فيهما"، راجع كنز العمال: 8 / 293، 294.


ــ[325]ــ


ومن البين أن كتاب الله وسنة نبيه أحق بالإتباع من غيرهما، ومن أجل ذلك أفتى عبدالله بن عمر بالرخصة بالتمتع في الحج، فقال له ناس:
"كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك، فقال لهم: ويلكم ألا تتقون... أفرسول الله (صلى الله عليه وآله) أحق أن تتبعوا سنته أم سنة عمر؟"(1).
وخلاصة ما تقدم: أن جميع ما تمسك به القائلون بالنسخ لا يصلح أن يكون ناسخا لحكم الآية المباركة، الذي ثبت ـ قطعا ـ تشريعه في الإسلام.
الرجم على المتعة:
قد صح في عدة روايات ـ تقدم بعضها ـ أن عمر حكم بالرجم على المتعة. فمنها: ما رواه جابر، قال:
"تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما قام عمر قال إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحجة والعمرة لله كما أمركم، وأبتوا نكاح هذه النساء فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة"(2).
ومنها: ما رواه الشافعي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت:
"إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة فحملت منه فخرج
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مسند احمد: 2 / 95، مسند المكثرين من الصحابة، رقم الحديث: 5441.
(2) صحيح مسلم: 4 / 36، كتاب الحج باب المتعة بالحج والعمرة، رقم الحديث: 2135. وروى الطيالسي قريبا منها عن جابر في مسنده: 8 / 247.


ــ[326]ــ


عمر يجر رداءه فزعا، فقال: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيه لرجمته"(1).
ومنها: ما رواه نافع عن عبدالله بن عمر:
"إنه سئل عن متعة النساء، فقال: حرام، أما إن عمر بن الخطاب لو أخذ فيها أحدا لرجمه"(2).
ونهج ابن الزبير هذا المنهج، فإنه حينما أنكر نكاح المتعة، قال له ابن عباس:
"إنك لجلف جاف، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين ـ رسول الله ـ فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك"(3).
وهذا من الغريب، وكيف يستحق الرجم رجل من المسلمين خالف عمر في الفتيا واستند في قوله هذا إلى حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونص الكتاب، ولنفرض أن هذا الرجل كان مخطئا في اجتهاده، أفليست الحدود تدرأ بالشبهات؟! على أن ذلك فرض محض، وقد علمت أنه لا دليل يثبت دعوى النسخ.
وما أبعد هذا القول من مذهب أبي حنيفة، حيث يرى سقوط الحد إذا تزوج الرجل بامرأة نكاحا فاسدا وبإحدى محارمه في النكاح، ودخل بها مع العلم بالحرمة وفساد العقد(4) وأنه إذا استأجر امرأة فزنى بها، سقط الحد لأن الله تعالى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سنن البيهقي: 7 / 206، باب نكاح المتعة. وموطأ مالك: كتاب النكاح، رقم الحديث: 995. ومنه "ولو كنت تقدمت فيها لرجمت".
(2) نفس المصدر.
(3) صحيح مسلم: 4 / 133، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة رقم الحديث: 2508.
(4) الهداية، وفتح القدير: 4 / 147.


ــ[327]ــ


سمى المهر أجرا. وقد روي تحو ذلك عن عمر بن الخطاب أيضا(1).
مزاعم حول المتعة:
زعم صاحب المنار أن التمتع ينافي الإحصان، بل يكون قصده الأول المسافحة، لأنه ليس من الإحصان في شيء أن تؤجر المرأة نفسها كل طائفة من الزمن لرجل، فتكون كما قيل:
                                                      كرة حذفت بصوالجة      فتلقفها رجل رجل
وزعم أنه ينافي قوله تعالى:
{والذين هم لفروجهم حافظون 23 : 5. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين: 6. فمن ابتغى وراء ذالك فأولئك هم العادون: 7}.
ثم ذكر أن تحريم عمر لم يكن من قبل نفسه، فان ثبت أنه نسبه إلى نفسه فمعناه أنه بين تحريمها، أو أنه أنفذه. ثم إنه استغفر بعد ذلك عما كتبه في المنار من أن عمر منع المتعة اجتهادا منه ووافقه عليه الصحابة(2).
ودفعا لهذه المزاعم نقول: أما حكاية منافاة التمتع للإحصان فهو مبني على ما يزعمه هو من أن المتمتع بها ليست زوجة، وقد أوضحنا - فيما تقدم - فساد هذا القول ومنه يظهر أيضا فساد توهمه أن جواز التمتع ينافي وجوب حفظ الفروج على غير الأزواج.
وأما تعبيره عن عقد المتعة باجارة المرأة نفسها، وتشبيه المرأة بالكرة التي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أحكام القرآن للجصاص: 2 / 146.
(2) تفسير المنار: 5 / 13 ـ 16.


ــ[328]ــ


تتلقفها الأيدي، فهو - لو كان صحيحا - لكان ذلك اعتراضا على تشريع هذا النوع من النكاح على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأن هذا التشبيه والتقبيح لا يختص بزمان دون زمان، ولا يشك مسلم في أن التمتع كان حلالا على عهد رسول الله (صلىالله عليه وآله) وقد عرفت ـ فيما تقدم ـ أن إباحته استمرت حتى إلى مدة من عهد عمر.
ومن الغريب: أن يصرح – هنا - انه لا يقصد غير بيان الحق، وانه لم يتعصب لمذهب، ثم يجره التعصب إلى أن يشنع على ما ثبت في الشرع الإسلامي بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وإن وقع الاختلاف بينهم في نسخه واستمراره. أضف إلى ذلك أن انتقال المرأة من رجل إلى رجل لو كان قبيحا لكان ذلك مانعا عن طلاق المرأة في العقد الدائم، لتنتقل إلى عصمة رجل آخر، وعن انتقال المرأة بملك اليمين، ولم يستشكل في ذلك أحد من المسلمين، إلا أن صاحب المنار في مندوحة عن هذا الإشكال، لأنه يرى المنع من الاسترقاق، وأن في تجويزه مفاسد كثيرة، وزعم أن العلماء الأعلام أهملوا ذكر ذلك، وذهب إلى بطلان العقد الدائم، إذا قصد الزوج من أول الأمر الطلاق بعد ذلك، وخالف في ذلك فتاوى فقهاء المسلمين.
ومن الغريب أيضا: ما وجه به نسبة عمر تحريم المتعة إلى نفسه، فإنه لا ينهض ذلك بما زعمه، فإن بيان عمر للتحريم إما أن يكون اجتهادا منه على خلاف قول النبي (صلى الله عليه وآله)، وإما أن يكون اجتهادا منه بتحريم النبي إياها، وإما أن يكون رواية منه للتحريم عن النبي (صلى الله عليه وآله).
أما احتمال أن يكون قوله رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) فلا يساعد عليه نسبة التحريم، والنهي إلى نفسه في كثير من الروايات. على أنه إذا كان رواية، كانت معارضة بما تقدم من الروايات الدالة على بقاء إباحة المتعة إلى مدة غير يسيرة من خلافة عمر، وأين كان عمر أيام خلافة أبي بكر؟ وهلا أظهر روايته لأبي بكر ولسائر المسلمين؟ على


ــ[329]ــ


أن رواية عمر خبر واحد لا يثبت به النسخ.
وأما احتمال أن يكون قول عمر هذا اجتهادا منه بتحريم النبي نكاح المتعة فهو أيضا لا معنى له بعد شهادة جماعة من الصحابة بإباحته في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى وفاته. على أن اجتهاده هذا لا يجدي غيره ممن لم يؤمر باتباع اجتهاده ورأيه، بل وهذان الاحتمالان مخالفان لتصريح عمر في خطبته: "متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما".
وإذن فقد انحصر الأمر في أن التحريم كان اجتهادا منه على خلاف قول رسول الله بالإباحة، ولأجل ذلك لم تتبعه الأمة في تحريمه متعة الحج وفي ثبوت الحد في نكاح المتعة، فإن اللازم على المسلم أن يتبع قول النبي (صلى الله عليه وآله) وأن يرفض كل اجتهاد يكون على خلافه:
{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} (33 : 36).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ما أحللت إلا ما أحل الله، ولا حرمت إلا ما حرم الله" (1).
وقال (صلى الله عليه وآله): "فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه ـ فمه ـ إلا حق"(2).
ومع هذا كله: فقد قال القوشجي في الاعتذار عن تحريم عمر المتعة، خلافا لرسول الله وأجيب: "بأن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه، فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع"(3).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) طبقات ابن سعد: 4 / 72 طبعة مصر، وبمضمونها رواية ما بعدها.
(2) سنن أبى داود: كتاب العلم، رقم الحديث: 3161. راجع التاج: 1/ 66.
(3) شرح التجريد في مبحث الإمامة.


ــ[330]ــ


وقال الآمدي: اختلفوا في أن النبي (صلى الله عليه وآله) هل كان متعبدا بالاجتهاد فيما لا نص فيه؟ فقال أحمد بن حنبل، والقاضي أبو يوسف: "إنه كان متعبدا به" وجوز الشافعي في رسالته ذلك من غير قطع، وبه قال بعض أصحاب الشافعي والقاضي عبدالجبار، وأبوالحسين البصري، ثم قال: "والمختار جواز ذلك عقلا ووقوعه سمعا"(1).
وقال فيه أيضا: القائلون بجواز الاجتهاد للنبي (صلى الله عليه وآله) اختلفوا في جواز الخطأ عليه في اجتهاده، فذهب بعض أصحابنا إلى المنع من ذلك، وذهب أكثر أصحابنا، والحنابلة، وأصحاب الحديث، والجبائي، وجماعة من المعتزلة إلى جوازه، لكن بشرط أن لا يقر عليه وهو المختار(2).
وحاصل ما تقدم: أن آية التمتع لا ناسخ لها، وأن تحريم عمر، وموافقة جمع من الصحابة له على رأيه طوعا أو كرها إنما كان اجتهادا في مقابل النص، وقد اعترف بذلك جماعة، وأنه لا دليل على تحريم المتعة غير نهي عمر، إلا أنهم رأوا أن اتباع سنة الخلفاء كاتباع سنة النبي (صلى الله عليه وآله) (3).
وعلى أي فما أجود ما قاله عبدالله بن عمر: "أرسول الله (صلى الله عليه وآله) أحق أن تتبع سنته أم سنة عمر"، وما أحق ما قاله الشيخ محمد عبده في تفسير قوله تعالى: {الطلاق مرتان}(4).


                                                                        
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإحكام في أصول الأحكام: 4 / 222.
(2) نفس المصدر: ص 290.
(3) هامش المنتقى للفقي: 2 / 519.
(4) انظر التعليقة رقم (8) في قسم التعليقات رأي ابن عبده في الطلاق الثلاث.